معادلة الفشل: أرقام مرتفعة، محتوى فارغ
رهن العمل الصحفي بقيم السوق واعتبار الأرقام وحدها بشرى سارة ودلالة كافية على النجاح، ليس عملاً صحفيًا.
ظاهرة مستحدثة في عالم الصحافة الرقمية وصناعة المحتوى منذ سنوات، وهي رهن العمل الصحفي بقيم السوق واعتبار الأرقام وحدها بشرى سارة ودلالة كافية على النجاح. هنا نقاط سريعة:
- الصحفي الذي لا يهمه شيء عدا ارتفاع أرقام المشاهدة/الإعجاب، ليس صحفيًا.
- عندما تتوسل إعجاب الناس وتسعى خلف الرغائبيات والتبسيط المخل، فأنت تفقد البوصلة وتتخلى عن أهدافك.
- ارتفاع الأرقام وحده ليس المعيار. في حالات عديدة سنراها مزيفة، أو تشير إلى خطأ، فضيحة أو محتوى سلبي.
- عندما يتزامن نشر محتوى ما مع حدث عالمي قائم أصلاً، فالنتيجة هي ارتفاع كافة الأرقام على كل المنصات.
- سرعة نمو المنصة مرتبطة بقائمة طويلة من العوامل أحدها زيادة التفاعل، وقبلها القيم المضافة وزوايا المعالجة.
إذن، لماذا كل هذا الهوس بالأرقام؟
لاستدامة الدعم؛ وهي حالة مزرية تعيشها معظم المنصات. سيتوجب عليك أن تعرض على الممول نتائج فورية وسريعة الهضم حتى لا ينقطع الدعم، وهذا يشير بشكل مباشر إلى أزمة ثقة بين المنصة والممول من جهة، وقصر نفس وخضوع للسوق من جهة أخرى، وهي جوهر كل هذا النقاش.
الحل؟ لا يوجد حل. هذه حيلة ترُوج على المبتدئين في الصحافة الرقمية وصناعة المحتوى، يعلم القائمون عليها أسبابها، ولكنهم يصيغون إجابات باردة تبدو مقنعة للباحثين عن الرزق الحلال، وكنتيجة يتعوّد جيل كامل على تجاهل أسس المهنة وأدبياتها بما في ذلك الانحياز إلى القيم، شروط الحدث، الموضوعية، تجويد العمل وقيادة الرأي العام.
كانت الصحافة قديمًا تؤدي دورًا طليعيًا، كان متوقعًا منها ذلك ولم يكن مقبول منها غير ذلك. اليوم وعربيًا، أخشى أننا نتجول مع العزيز كونديرا وهو يقرّعنا ساخرًا:
"اللامعنى، يا صديقي، هو جوهر الوجود. وهو معنا دائمًا في كل مكان. إنه موجود حتى حيث لا أحد يريد أن يراه: في الأهوال وفي الصراعات الدموية وفي أخطر المآسي. ولكن ليس المقصود هو التعرف إلى اللامعنى، بل التعلق به وتعلّم كيفية الوقوع في حبه. صديقي، تنفّس هذه التفاهة التي تحيط بنا، إنها مفتاح الحكمة، مفتاح المزاج الجيد والرضا".