‎⁨حمّى التجنيد الإجباري في دول الخليج⁩

أقرت قطر، في الحادي عشر من نوڤمبر 2013، ولأول مرة، قانونًا للتجنيد الإجباري في البلاد. وفي السابع من يونيو 2014 تبعتها الإمارات لتقرّ قانونًا اتحاديًا للتجنيد الإجباري، لأول مرة هي الأخرى؛ لتصبح بهذا ثاني دولة تعتمد التجنيد في تاريخ دول الخليج العربي.

وألزمت الدولتان الخليجيتان مواطنيها الذكور ممن بلغت أعمارهم الثامنة عشرة الالتحاق بالتجنيد الإجباري، وصولاً إلى سن الثلاثين في الإمارات، والخامسة والثلاثين في قطر. فيما لم يتطرق القانون القطري للإناث بعكس القانون الإماراتي؛ الذي جعل الأمر “اختياريًا وبموافقة ولي الأمر” بالنسبة للإناث.

ويقضي المدني المجنّد الحاصل على الشهادة الثانوية أو ما يعادلها فأعلى، تسعة أشهر في الإمارات، وثلاثة أشهر في قطر، فيما يقضي غير الحاصل عليها، سنتين في الإمارات، وأربعة أشهر في قطر، وتسعة أشهر ثابتة للإناث في الإمارات لأي مؤهل؛ فيما يكون لهن “مطلق الحرية” في تركها في أي وقت، حسب القانون.

  • نصوص قانونية مفتوحة

رغم أن نصوص القانونين حددتا حالات تأجيل التجنيد المقبولة؛ إلا أنها تركت مساحة واسعة "للقائد العام" في القانون القطري، وهو أمير البلاد مباشرة تميم بن حمد، في حين لم يمنح القانون الإماراتي هذه المساحة "للقائد الأعلى"، وهو رئيس البلاد خليفة بن زايد، واختصّها لولي عهد أمارة أبو ظبي محمد بن زايد، تحت مسمى "نائب القائد الأعلى".

ويبدو أن هذه سمة غالبة على القانون الإماراتي، فمثلاً، ترك نص القانون الحق في الاستدعاء في أي وقت وعلى أيِّ نحو "لنائب القائد الأعلى". ففي البند (هـ) من المادة رقم (22)، وبعد سرد الحالات التي يجوز فيها الاستدعاء، أضاف البند: "أية حالة أخرى يقدرها نائب القائد الأعلى". مما لا يجعل لحالات الاستدعاء السابقة أية دور قانوني.

فيما حدد القانون القطري أدوار "القائد العام" في الاستدعاء ببندين في المادة (29)، كما حدد الاستدعاء لأجل "أغراض التدريب" بمدة "لا تتجاوز خمسة عشر يومًا"؛ وخصّ البند الثالث "بأمر أميري"، إلا أن هذا البند هو إجراء شكلي؛ إذ أن الأمير هو نفسه "القائد العام"، مما يعني أن صلاحيات البنود الثلاث مرتبطة بشخص الأمير.

  • خمسون ألف، غرامة من يتخلَّف

سجلت قوانين التجنيد القطرية والإماراتية عقوبات شديدة بحقِّ المدني الذي يتخلَّف عن التجنيد “بدون عذرٍ مشروع”؛ فقد بلغت العقوبات في كلا القانونيْن حد 50.000 ألف ريال/درهم، إضافة إلى السجن عامًا كاملاً، أو أحدهما، مع فتح المجال لإنزال عقوبات أشد بالمتخلِّفين؛ كما نصت عليه المواد (43) (44) (45) من القانون القطري، والبند الأول من المادة (39) في القانون الإماراتي.

مما يبعث على عدم الاطمئنان حسب مراقبين فيما يتعلَّق بحقوق الإنسان، وعن ماهية هذه “العقوبات الأشد” غير الواردة في قوانين التجنيد الخاصة بالبلدين.

  • الكويت: التجنيد بعد سنتين

في 7 أبريل 2015، وبعد تعطيل التجنيد الإلزامي منذ يونيو 2001؛ أقرّ مجلس الأمة الكويتي التجنيد الإجباري بعدما طرحته الحكومة للمناقشة، كما نصّ القرار على تنفيذه بعد سنتين من نشره في الوسائل الرسمية، إلى جانب استثناءه العاملين في القطاع الخاص.

النائب الكويتي عبد الله المعيوف (مجلس الأمة)

كما أعلن رئيس لجنة شؤون وزارتي الدفاع والداخلية، النائب عبد الله المعيوف، أنه ستتم مناقشة عدة تعديلات، والتي من ضمنها “تفويض مجلس الوزراء بدلاً من وزير الدفاع في النظر بالحالات التي يتم استثناؤها من القانون”، ما يفتح المجال للتنصل من الخدمة لدى طبقات معينة.

“لأبناء الطبقة المخملية”، يقول مشعل الشلاحي:

خالد العسكر يتحدث عن “تفصيل” للقانون، ويضيف:

“عيالهم لن يدخلون، ونحن سندخل”، يقول يوسف آل بن فهد:

المعرّف الكويتي “كويتي منتف” يسجل اعتراضه، ويقول:

“أين العدل والمساواة؟”، يتساءل بدر صالح:

فيما تحفّظ النائب كامل العوضي، في نوڤمبر من العام الماضي، على التجنيد الإجباري، وقال في تصريح له أن “على الحكومة ضرورة التأني قبل طرح مشروع قانون التجنيد الالزامي”، إلى جانب مطالبته بأن يأخذ القانون وقته من حيث الدراسة الشاملة ومناقشة السلبيات والإيجابيات لتفادي “أسباب فشل القانون السابق”، حسب وصفه.

  • هل تكون السعودية على الطريق؟

في 11 أبريل، من هذا العام 2015، دعا مفتي السعودية “عبد العزيز آل الشيخ” في خطبة جمعة إلى التجنيد؛ حيث قال أن “التجنيد الإجباري -إذا وُفِّقت الأمة له- سيسهم في إعداد الشباب لآداء المهام”، في خطوة مثيرة؛ كون “آل الشيخ” أحد الأصوات الرسمية في البلاد.

صورة نادرة للأمراء سلمان، فهد، تركي الثاني، أثناء تطوعهم في الجيش المصري لصد العدوان الثلاثي 1956

في 15 أبريل، نشرت قناة العربية، الذراع الإعلامي للسعودية، صورًا قالت أنها لتطوّع الملك سلمان في الجيش عام 1956م، ووصف التقرير الملك سلمان بأنه “لم يكفّ قط عن التطوّع العسكري”، وهنا نتسائل: هل تكون السعودية الدولة الخليجية القادمة التي تفرض التجنيد الإجباري على مواطنيها؟!

  • متعب بن عبد الله: التجنيد غير وارد

قال متعب بن عبد الله، وزير الحرس الوطني، في 13 أغسطس 2014، أثناء عهد الملك الراحل والده الملك عبد الله، أن “فكرة التجنيد غير واردة حاليًا”، وعزا ذلك إلى سببين، أولها الإقبال المستمر لقطاعات كبيرة من المواطنين للانضمام للمؤسسات العسكرية، وثانيها الاكتفاء، حيث قال أنها التشكيلات الحالية لجميع القطاعات العسكرية “تفوق الاحتياج الفعلي”.

الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز

فيما أكّد رئيس اللجنة الأمنية بمجلس الشورى سعود السبيعي، بالعهد الحالي في 14 أبريل 2015، أن “السعودية ليست بحاجة إلى فرض التجنيد الإجباري لأسباب كثيرة”، وأضاف: “أولها أن التقديم للوظائف العسكرية يشهد نسبًا مضاعفة، فحين يتم الإعلان عن ألف وظيفة يتقدم خمسة آلاف!”.

وبالمقارنة بين موقف ”متعب بن عبد الله”، رأس ثاني أقوى مؤسسة عسكرية بعد الجيش، و“آل الشيخ”، رأس المؤسسة الدينية الرسمية، نجد مفارقة واضحة حيال التجنيد الاجباري. ويبقى التساؤل فيما إذا كانت هذه مجرد مناورة إعلامية لجسّ النبض.

  • الجيش السعودي القوة الثالثة عربيًا

نشرت مؤسسة “غلوبال فاير باور”، وهي مؤسسة أمريكية متخصصة في الدراسات التحليلية المتعلقة بالقطاعات العسكرية حول العالم، تقريرًا قالت فيه أن الجيش السعودي هو الأقوى في منطقة الخليج العربي، والثالث عربيًا بعد مصر والجزائر، و28 على مستوى العالم.

كما يبلغ تعداد الجيش السعودي 233 ألفا وخمسمائة جندي، منهم 75 ألفا بالقوات البرية و13 ألفا وخمسمائة بالقوات البحرية، وعشرون ألفا بسلاح الجو. إضافةً إلى قوات الاحتياط العاملة والتي تقدر بنحو 25 ألف شخص، إضافة إلى 100 ألف عنصر يشكلون الحرس الوطني.

وإلى جانب هذه القوة الهائلة التي تملكها المؤسسات العسكرية في البلاد، يتساءل الكاتب السعودي إبراهيم آل دهمان “أبو لجين” عن ضرورة التجنيد، ويقول: “التفكير في التجنيد الإجباري يحتاج إلى التأمل في مداخل متعددة، سياسية وعسكرية واجتماعية ودينية، وليس خبط عشواء، لأنه قرار حمال للأوجه، وتختلط فيه الإيجابيات بالسلبيات”.

وأضاف: “مجال البحث لا يدور الآن في فلك القبول أو الرفض، ولا في مجال التفاصيل الدقيقة عن سن التجنيد وضوابطه وآلياته، وإنما في مجال البحث عن المنافع والمضار”، فيما تساءل: “هل سيضيف التجنيد الإجباري للجيش السعودي رصيدًا جديدًا؟ أم سيكون هذا التجنيد عبئًا تدريبيًا وماليًا دون فائدة عملية كبيرة؟”.

  • فروقات جوهرية بين السعودية ودول الخليج

وإلى جانب ما سبق، يرى مراقبون أن هناك فروقات “جوهرية” بين السعودية وبقية دول الخليج لتقرير التجنيد الإجباري، على رأسها المساحة الجغرافية والتعداد السكني، مرورًا بالمجتمعات الصغيرة المتشابهة إلى حد كبير، بعكس السعودية، وانتهاءً بارتفاع دخل الفرد وتوفّر مظاهر الرفاه وتراجع ملحوظ في مشكلات البطالة والسكن والهوية الوطنية الجامعة، مما ضَمِن حالةً من الانسجام؛ خلقت مبررًا لحلٍ -تراه تلك البلاد ضروريًا- مثل التجنيد.

وقال تقرير نشره مركز الجزيرة للدراسات، أن “الدول الصغيرة أكثر دول العالم حاجة للأخذ بنظام التجنيد الإلزامي في صفوف قواتها المسلحة”، لاعتبارات استراتيجية عدة “كالحساسية المفرطة للموقع الجغرافي”، إلى جانب كونها مجتمعات صغيرة “معرَّضة لاختراق نسيجها الاجتماعي والسياسي” من جاراتها الكبيرة، ومسألة الحدود.

كما يتوجَّب على تلك الدول، أن تكون لديها القُدرة المؤسساتية الحكومية لإدارة مراحل التجنيد، وتجهيز التأهيلات اللازمة والبيئة المناسبة؛ كون تلك المؤسسات تقوم أدوارها -بالضرورة- بضخّ “مدنيين”، قسريًا وبدون إرادة منهم، إلى مواقع عسكرية تتسم بالمشقة والخطورة.

كل هذه المفارقات، تجعل من إقرار التجنيد الإجباري في السعودية أمرًا صعبًا بالنظر إلى الوقت الراهن، ابتداءً بقدرة المؤسسات الحكومية بالنسبة إلى الكثافة السكانية، والمشكلات الاجتماعية والحالة الاقتصادية وتباين الثقافات، وصولاً إلى الكفاية العسكرية.

  • التجنيد الإجباري إضعاف للشخصية

كتب واثق غازي، وهو ناقد وأديب عراقي، مقالاً ناقش فيه حجج المطالبين بالتجنيد الإجباري، وجوابًا على الحجة المنتشرة القائلة بأن التجنيد الإجباري “يربي الشباب على تحمل المسؤولية بعيدًا عن الانحلال والميوعة”، أكد غازي أن الأمر على العكس تمامًا.

وقال: “المعروف أن المسؤولية هي فيتامين الشخصية، وهذه المسؤولية تأتي من إحساس الشاب بدوره في الحياة وقدرته على إدارة كفّة الأحداث وليست عبر الإجبار والإلزام”. وأضاف أن “التهميش والهدر المستمرين الذين يتعرض لهما الشباب العربي هو السبب وراء صور ضعف الشخصية والميوعة، ومثل هذه المشكلة لا يحلها التجنيد الإجباري؛ بل فتح باب المشاركة للشباب في جميع مجالات الحياة المدنية والسياسية عبر بناء نظام ديمقراطي يتيح لهم حرية التفكير والتعبير والعمل”.

وأكّد غازي، من جديد، على أن “جودة التعليم، والرعاية الصحية الممتازة، وفرص العمل المتاحة للجميع، والنظام الديمقراطي الذي يبيح للفرد حرية الاختيار والتعبير، هي المسؤولة عن تقوية شخصية الشباب العربي، أما التجنيد الإجباري فهو يقود إلى ضعف الشخصية وطمسها وليس العكس”.

ويرى غازي، أن على الدول المُصرَّة على التجنيد الإجباري، أن تتخلى عنه إلى طورٍ أكثر مسؤولية منه إلى الإجبار بتوفير فرصة “التجنيد التطوّعي”؛ الذي لا يُلزم الفرد بالعمل العسكري بقدر ما يترك له مساحةً من الاختيار “وفق ما يراه منسجمًا مع طبيعة شخصيته وميوله واعتقاده”، حسب المقال.

  • سويسرا: الخدمة البديلة لأسباب أخلاقية

لم تتطرق قوانين التجنيد في قطر والإمارات إلى المسألة الأخلاقية/الضميرية المتعلقة بالفرد المدني المجنّد، وانصبَّت ناحية إجراءات متعلقة بحالات عدم توافر اللياقة البدنية، أو الإصابة بعاهة دائمة، أو “وحيد الوالدين” أو “الابن العائل”.

إلا أن سويسرا، الدولة الصغيرة التي تقرّ التجنيد، قيَّدت في قوانين التجنيد الخاصة بها بندًا يتحدث عن الإعفاء من التجنيد المسلَّح “لأسباب ضميرية” متعلِّقة بالأخلاق والتحفُّظ حيال استخدام السلاح، واستبدلت التجنيد العسكري بخدمات غير مسلحة، على أن يتقدَّم المستدعى للتجنيد بطلب إلى المحكمة لإعفاءه وتشغيله في خدمات مدنية.

كما قيَّد قانون التجنيد السويسري بندًا تحت عنوان “السويسري في الخارج”، يتحدث عن استثناء المواطنين السويسريين -خارج سويسرا- من التجنيد الإجباري، كونهم غير متواجدين في البلد في السن بين 18 و30 عامًا، مما لا يعطي المؤسسات العسكرية استدعائهم من الخارج وتجنيدهم.